فصل: بَابُ سُنَّةِ الطَّلَاقِ وَبِدْعَتِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



فَصْلٌ: [مَنْ صَحَّ طَلَاقُهُ صَحَّ تَوْكِيلُهُ]:
(وَمَنْ صَحَّ طَلَاقُهُ) مِنْ بَالِغٍ وَمُمَيِّزٍ يَعْقِلُهُ (صَحَّ تَوْكِيلُهُ فِيهِ وَ) صَحَّ (تَوَكُّلُهُ) فِيهِ؛ لِأَنَّ مَنْ صَحَّ تَصَرُّفُهُ فِي شَيْءٍ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ فِيهِ؛ صَحَّ تَوْكِيلُهُ وَتَوَكُّلُهُ فِيهِ، وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ إزَالَةُ مِلْكٍ فَجَازَ التَّوَكُّلُ وَالتَّوْكِيلُ فِيهِ كَالْعِتْقِ (وَلَوْ) كَانَ الْوَكِيلُ فِي الطَّلَاقِ (امْرَأَةً) لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَوْكِيلُهَا فِي طَلَاقِ غَيْرِهَا، فَكَذَا فِي طَلَاقِ نَفْسِهَا. (وَلِوَكِيلٍ لَمْ يُحَدَّ لَهُ حَدٌّ) أَيْ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ مُوَكِّلُهُ وَقْتًا لِلطَّلَاقِ (أَنْ يُطَلِّقَ مَتَى شَاءَ) كَالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ حَدَّ لَهُ حَدًّا كَأَنْ يَقُولَ لَهُ: طَلِّقْهَا الْيَوْمَ أَوْ نَحْوَهُ؛ فَلَا يَمْلِكُهُ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَثْبُتُ لَهُ الْوَكَالَةُ عَلَى حَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ لَفْظُ الْمُوَكِّلِ، وَ(لَا) يُطَلِّقُ وَكِيلٌ عَنْ مُوَكِّلِهِ (وَقْتَ بِدْعَةٍ) مِنْ حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ وُطِئَ فِيهِ، فَإِنْ فَعَلَ حَرُمَ (وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ مِنْهُ كَمَا يَقَعُ مِنْ الْمُوَكِّلِ إذَا طَلَّقَ زَمَنَ بِدْعَةٍ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُوَفَّقِ. وَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ مَتَى شَاءَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَ(لَا) يُطَلِّقُ الْوَكِيلُ الْمُطْلَقُ (أَكْثَرَ مِنْ) طَلْقَةٍ (وَاحِدَةٍ) لِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَتَنَاوَلُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ (إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ) الْمُوَكِّلُ (لَهُ) فَإِنْ جَعَلَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ (بِلَفْظٍ) مَلَكَهُ (أَوْ نِيَّةٍ) مَلَكَهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَوَى بِكَلَامِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي نِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِهَا. (وَلَا يَمْلِكُ) وَكِيلٌ (بِإِطْلَاقِ) مُوَكِّلٍ فِي طَلَاقٍ (تَعْلِيقًا) أَيْ: أَنْ يُعَلِّقَ الطَّلَاقَ عَلَى شَرْطٍ (فَإِنْ عَلَّقَهُ لَمْ يَقَعْ) لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ لَفْظًا وَلَا عُرْفًا. (وَمَنْ وُكِّلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (فِي ثَلَاثِ) طَلْقَاتٍ (فَوَحَّدَ) أَيْ: فَطَلَّقَ طَلْقَةً وَاحِدَةً؛ وَقَعَتْ؛ لِدُخُولِهَا فِي ضِمْنِ الْمَأْذُونِ فِيهِ (أَوْ) وُكِّلَ فِي طَلْقَةٍ (وَاحِدَةٍ فَثَلَّثَ) أَيْ: فَطَلَّقَ ثَلَاثًا (فـَ) يَقَعُ طَلْقَةً (وَاحِدَةً) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ الْمَأْذُونُ فِيهَا دُونَ مَا زَادَ عَلَيْهَا، وَهِيَ فِي ضِمْنِ الثَّلَاثِ فَتَقَعُ. (وَإِنْ وَكَّلَ) زَوْجٌ فِي طَلَاقٍ وَكِيلَيْنِ (اثْنَيْنِ؛ لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا) بِالطَّلَاقِ؛ وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ إنَّمَا رَضِيَ بِتَصَرُّفِهِمَا جَمِيعًا (إلَّا بِإِذْنٍ) مِنْ الْمُوَكِّلِ؛ فَيَصِحُّ انْفِرَادُ مَنْ أُذِنَ لَهُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُوَكِّلِ فِي ذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَيَقَعُ بِطَلَاقِ مُتَأَخِّرٍ) مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا غَيْرُ مَأْذُونٍ عَلَى انْفِرَادِهِ، فَلَمَّا طَلَّقَ الْأَوَّلُ وَقَفَ الْأَمْرُ عَلَى طَلَاقِ الثَّانِي، وَلَمَّا طَلَّقَ الثَّانِي صَدَقَ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا أَوْقَعًا طَلَاقًا قَدْ أَذِنَ لَهُمَا الْمُوَكِّلُ فِيهِ، فَوَقَعَ كَمَا لَوْ أَوْقَعَاهُ مَعًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ وُكِّلَا) أَيْ: وَكَّلَ الزَّوْجُ اثْنَيْنِ (فِي) طَلَاقِ (ثَلَاثٍ فَطَلَّقَ أَحَدُهُمَا) أَيْ: أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ (أَكْثَرَ مِنْ) الْوَكِيلِ (الْآخَرِ) بِأَنْ طَلَّقَ أَحَدُهُمَا وَاحِدَةً وَالْآخَرُ ثِنْتَيْنِ، أَوْ طَلَّقَ أَحَدُهُمَا ثِنْتَيْنِ وَالْآخَرُ ثَلَاثًا (وَقَعَ مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ) وَهُوَ وَاحِدَةٌ فِي الْأُولَى كَمَا لَوْ جَعَلَ إلَيْهِمَا وَاحِدَةً، وَيَقَعُ ثِنْتَانِ فِي الثَّانِيَةِ، لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ؛ فَصَحَّ، دُونَ مَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا بِلَا إذْنٍ.
(وَ) إنْ قَالَ لَهَا (طَلِّقِي نَفْسَكِ كَانَ لَهَا ذَلِكَ) أَيْ: طَلَاقُ نَفْسِهَا (مُتَرَاخِيًا كَوَكِيلٍ) غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَالْإِطْلَاقِ. (وَيَبْطُلُ) تَوْكِيلُ زَوْجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فِي طَلَاقِهَا (بِرُجُوعٍ) أَيْ: بِرُجُوعِ زَوْجٍ عَنْهُ، وَبِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَوَطْءٍ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ أَشْبَهَ عَزْلَ سَائِرِ الْوُكَلَاءِ (وَلَا تَمْلِكُ؟) زَوْجَةٌ بِهِ أَيْ: بِقَوْلِ زَوْجِهَا لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ (أَكْثَرَ مِنْ) طَلْقَةٍ (وَاحِدَةٍ) لِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَتَنَاوَلُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ (إلَّا إنْ جَعَلَهُ) أَيْ: الْأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ (لَهَا) فَتَمْلِكُ مَا جَعَلَهُ لَهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِي ذَلِكَ. وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا، فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ، وَقَعَتْ؛ لِأَنَّهَا مَأْذُونَةٌ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ، فَوَقَعَ الْمَأْذُونُ فِيهِ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ وَضَرَّاتِكِ، فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَقَطْ، وَإِنْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ، فَقَالَتْ: أَنَا طَالِقٌ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ؛ لَمْ تَطْلُقْ بِقُدُومِهِ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ انْصَرَفَ إلَى الْمُنَجَّزِ، فَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْمُعَلَّقَ (وَتَمْلِكُ) زَوْجَةٌ (الثَّلَاثَ) أَيْ: أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثَةً (فِي) مَا إذَا قَالَ لَهَا زَوْجُهَا (طَلَاقُكِ بِيَدِكِ) لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ (وَ) تَمْلِكُ أَيْضًا الثَّلَاثَ فِي قَوْلِهِ لَهَا (وَكَّلْتُكِ فِيهِ) أَيْ: فِي طَلَاقِكِ، أَوْ فِي الطَّلَاقِ؛ لِمَا سَبَقَ فِي الْأُولَى، وَلِاقْتِرَانِهِ بِأَلْ الِاسْتِغْرَاقِيَّةِ فِي الثَّانِيَةِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (لَا قَوْلُهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (ذَلِكَ لِوَكِيلٍ) بِأَنْ قَالَ لَهُ: طَلَاقُ زَوْجَتِي بِيَدِكَ أَوْ وَكَّلْتُكَ فِي طَلَاقِهَا؛ فَلَا يَمْلِكُ بِهَذَا التَّوْكِيلِ طَلَاقَهَا ثَلَاثًا وَإِنَّمَا يَمْلِكُ وَاحِدَةً لَا غَيْرُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَتَنَاوَلُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، إلَّا أَنْ يَجْعَلَ لَهُ الزَّوْجُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ بِلَفْظِهِ أَوْ نِيَّتِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ خَيَّرَ وَكِيلَهُ) مِنْ ثَلَاثٍ (أَوْ) خَيَّرَ (زَوْجَتَهُ مِنْ ثَلَاثٍ) بِأَنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ: اخْتَرْ أَوْ اخْتَارِي مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْت أَوْ شِئْت (مَلَكَا) أَنْ يُطَلِّقَا (ثِنْتَيْنِ فَأَقَلَّ) لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ؛ فَلَا يَسْتَوْعِبُ أَحَدُهُمَا الثَّلَاثَ. (وَوَجَبَ عَلَى نَبِيّنَا) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَخْيِيرُ نِسَائِهِ وَتَقَدَّمَ فِي الْخَصَائِصِ.

.بَابُ سُنَّةِ الطَّلَاقِ وَبِدْعَتِهِ:

أَيْ: إيقَاعُ الطَّلَاقِ عَلَى وَجْهٍ مَشْرُوعٍ، وَإِيقَاعُهُ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ. (السُّنَّةُ لِمَرِيدِهِ) أَيْ: الطَّلَاقِ (إيقَاعُ) طَلْقَةٍ (وَاحِدَةٍ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا) أَيْ لَمْ يَطَأْهَا (فِيهِ) أَيْ: الطُّهْرِ (ثُمَّ يَدَعُهَا بِلَا تَطْلِيقِ) ثَانِيَةٍ (حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) مِنْ الْأُولَى؛ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الطَّلَاقِ فِرَاقُهَا، وَقَدْ حَصَلَ بِالْأُولَى.
قَالَ تَعَالَى: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ. طَاهِرَاتٍ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ (إلَّا) طَلَاقًا (فِي طُهْرٍ مُتَعَقِّبٍ لِرَجْعَةٍ مِنْ طَلَاقٍ فِي حَيْضٍ فَ) هُوَ طَلَاقُ (بِدْعَةٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: لِيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا قَبْلَ أَنْ يُمْسِكَهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ» رَوَاه الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ. وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا» رَوَاه الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ. (وَيَتَّجِهُ وَ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي طُهْرٍ مُتَعَقِّبٍ لِرَجْعَةٍ مِنْ طَلَاقٍ فِي حَيْضٍ (لَا يَحْرُمُ) أَبَدًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي فَبِدْعَةٌ مُحَرَّمٌ فَيُؤْخَذُ مِنْ تَقْيِيدِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، وَ(لِقَوْلِهِ الْآتِي أَمْسِكْهَا نَدْبًا حَتَّى تَحِيضَ، وَإِلَّا لَكَانَ عَلَيْهِ إمْسَاكُهَا وُجُوبًا؛ لِئَلَّا يَقَعَ فِي الْحَرَامِ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ (زَادَ فِي التَّرْغِيبِ وَيَلْزَمُهُ وَطْؤُهَا) أَيْ: وَطْءُ مَنْ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ، ثُمَّ رَاجَعَهَا إذَا طَهُرَتْ وَاغْتَسَلَتْ. (وَإِنْ) (طَلَّقَ) زَوْجَةً (مَدْخُولًا بِهَا فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ) وَلَوْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِهِ (وَلَمْ يَسْتَبِنْ) أَيْ: يَتَّضِحْ (حَمْلُهَا) فَبِدْعَةٌ مُحَرَّمٌ، وَيَقَعُ (أَوْ عَلَّقَهُ) أَيْ: الطَّلَاقَ (عَلَى أَكْلِهَا وَنَحْوِهِ) كَصَلَاتِهَا (مِمَّا يُعْلَمُ وُقُوعُهُ حَالَتَهُمَا) أَيْ: الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ؛ (فـَ) هُوَ طَلَاقُ. (بِدْعَةٍ مُحَرَّمٌ، وَيَقَعُ) نَصًّا؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ نَافِعٌ: «وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً، فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهِ، وَرَاجَعَهَا كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ مِنْ مُكَلَّفٍ فِي مَحَلِّ الطَّلَاقِ، فَوَقَعَ كَطَلَاقِ الْحَامِلِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ فَيُعْتَبَرُ لِوُقُوعِهِ مُوَافَقَةُ السُّنَّةِ، بَلْ هُوَ إزَالَةُ عِصْمَةٍ، وَقَطْعُ مِلْكٍ؛ فَإِيقَاعُهُ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ أَوْلَى تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَعُقُوبَةً لَهُ. (وَتُسَنُّ رَجْعَتُهَا) مِنْ طَلَاقِ الْبِدْعَةِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا؛ لِلْخَبَرِ، وَأَقَلُّ أَحْوَالِ الْأَمْرِ الِاسْتِحْبَابُ؛ لِيُزِيلَ الْمَعْنَى الَّذِي حُرِّمَ الطَّلَاقُ لِأَجَلِهِ (وَيَجِبُ) عَلَيْهِ (إمْسَاكُهَا حَتَّى تَطْهُرَ، فَإِذَا طَهُرَتْ أَمْسَكَهَا نَدْبًا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى) ثُمَّ تَطْهُرَ، فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي هَذَا الطُّهْرِ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَهُوَ طَلَاقُ سُنَّةٍ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ. وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِقِيَامِهَا أَوْ بِقُدُومِ زَيْدٍ، فَقَامَتْ أَوْ قَدِمَ زَيْدٌ وَهِيَ حَائِضٌ طَلُقَتْ لِلْبِدْعَةِ، لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ، وَلَا إثْمَ عَلَى الْمُطَلِّقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ إيقَاعَ الطَّلَاقِ زَمَنَ الْبِدْعَةِ.
تَنْبِيهٌ:
وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ لِلسُّنَّةِ، فَقَدِمَ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ طَلُقَتْ؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَإِنْ قَدِمَ زَيْدٌ فِي زَمَانِ الْبِدْعَةِ، لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عِنْدَ قُدُومِهِ؛ لِأَنَّهَا إذَنْ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَلَمْ يُوجَدْ تَمَامُ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، فَإِذَا صَارَتْ إلَى زَمَانِ السُّنَّةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ، لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ عِنْدَ قُدُومِ زَيْدٍ، وَهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا؛ طَلُقَتْ عِنْدَ قُدُومِهِ حَائِضًا كَانَتْ أَوْ طَاهِرًا، لِأَنَّهُ لَا سُنَّةَ لَهَا وَلَا بِدْعَةَ، وَإِنْ قَالَهُ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدِمَ زَيْدٌ بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ طَلُقَتْ حِينَ قُدُومِهِ؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهَا إذَنْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَإِنْ قَدِمَ زَيْدٌ زَمَنَ الْبِدْعَةِ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَجِيءَ زَمَنُ السُّنَّةِ لِيُوجَدَ الشَّرْطُ. (وَيَحْرُمُ إيقَاعُ) طَلْقَاتٍ (ثَلَاثٍ، وَلَوْ بِكَلِمَاتٍ) وَلَوْ (فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا) زَوْجُهَا (فِيهِ أَوْ) أَيْ: وَيَحْرُمُ إيقَاعُ ثَلَاثٍ فِي (أَطْهَارٍ مِنْهُ لَا) يَحْرُمُ إيقَاعُ ذَلِكَ (بَعْدَ رَجْعَةٍ أَوْ) بَعْدَ (عَقْدٍ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}: إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} وَمَنْ جَمَعَ الثَّلَاثَ لَمْ يَبْقَ لَهُ أَمْرٌ يَحْدُثُ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَلَا مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا أَكَانَ يَحِلُّ لِي أَنْ أُرَاجِعَهَا؟ قَالَ: إذَنْ عَصَيْتَ وَبَانَتْ مِنْكِ امْرَأَتُكِ» رَوَاه الدَّارَقُطْنِيّ؛ وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: «أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا، فَغَضِبَ، ثُمَّ قَالَ: أَيُلْعَبُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ حَتَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَقْتُلُهُ؟» وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إنَّ عَمِّي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَقَالَ: إنَّ عَمّكِ عَصَى اللَّهَ وَأَطَاعَ الشَّيْطَانَ، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَسَوَاءٌ فِي الْوُقُوعِ مَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، فَلَوْ طَلَّقَهَا مَا بَعْدَ الْأُولَى بَعْدَ رَجْعَةٍ أَوْ عَقْدٍ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا، وَلَا بِدْعَةً بِحَالٍ وَمَا رَوَى طَاوُوسٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «كَان الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَسِنِينَ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً». فَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَمُجَاهِدٌ وَمَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافَهُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد، وَأَفْتَى ابْنُ عَبَّاسٍ بِخِلَافِ مَا رُوِيَ عَنْ طَاوُوسٍ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُطَلِّقُونَ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ عُمَرُ مَا كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَلَا يَكُونُ لِابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ يَرْوِيَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُفْتِيَ بِخِلَافِهِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ لَمْ يَأْثَمْ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَمْنَعَاهُ الرَّجْعَةَ، لَكِنْ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ تَطْلِيقَةً بِلَا فَائِدَةٍ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ. (وَلَا سُنَّةَ وَلَا بِدْعَةَ فِي وَقْتٍ أَوْ عُذْرٍ لِغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا) لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ لَهَا فَتَنْضَرَّ بِهَا (وَ) لَا لِزَوْجَةٍ (بَيِّنٍ حَمْلُهَا، وَ) لَا لِزَوْجَةٍ (صَغِيرَةٍ وَآيِسَةٍ) لِأَنَّهَا لَا تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ؛ فَلَا تَخْتَلِفُ عِدَّتُهَا (فَلَوْ قَالَ) الزَّوْجُ (لِإِحْدَاهُنَّ) أَيْ: الْمَذْكُورَاتِ (أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ) طَلُقَتْ فِي الْحَالِ (أَوْ قَالَ) لِإِحْدَاهُنَّ أَنْتِ طَالِقٌ (لِلْبِدْعَةِ؛ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ) أَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ، أَوْ لَا لِلسُّنَّةِ وَلَا لِلْبِدْعَةِ؛ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ طَلَاقَهَا لَا يَتَّصِفُ بِسُنَّةٍ وَلَا بِدْعَةٍ؛ فَيَلْغُو وَصْفُهُ بِهِ، وَيَبْقَى الطَّلَاقُ بِدُونِ الصِّفَةِ. فَيَقَعُ فِي الْحَالِ (وَ) لَوْ قَالَ لِإِحْدَاهُنَّ: أَنْتِ طَالِقٌ (لِلسُّنَّةِ طَلْقَةً وَلِلْبِدْعَةِ طَلْقَةً وَقَعَتَا) فِي الْحَالِ؛ لِمَا سَبَقَ (وَيَدِينُ) قَائِلُ ذَلِكَ (فِي غَيْرِ آيِسَةٍ إذَا قَالَ: أَرَدْتُ إذَا صَارَتْ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ) أَيْ: السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ لِادِّعَائِهِ مُحْتَمَلًا (وَيُقْبَلُ) مِنْهُ ذَلِكَ (حُكْمًا) لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ، بِخِلَافِ الْآيِسَةِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ فِيهَا ذَلِكَ.
فَائِدَةٌ:
وَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ فِي الطُّهْرِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فَيَئِسَتْ مِنْ الْمَحِيضِ أَوْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا؛ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهُ لَا سُنَّةَ لَهَا مَا دَامَتْ كَذَلِكَ. (وَلِمَنْ) أَيْ: وَلِزَوْجَةٍ (لَهَا سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ) وَهِيَ الْمَدْخُولُ بِهَا غَيْرُ الْحَامِلِ ذَاتُ الْحَيْضِ (إنْ قَالَهُ) أَيْ: قَالَ لَهَا زَوْجُهَا: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ طَلْقَةً وَلِلْبِدْعَةِ طَلْقَةً (فَوَاحِدَةٌ) تَقَعُ (فِي الْحَالِ) لِأَنَّ حَالَهَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي زَمَنِ السُّنَّةِ؛ فَتَقَعَ الطَّلْقَةُ الْمُعَلَّقَةُ عَلَى السُّنَّةِ، أَوْ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ فَتَقَعَ الطَّلْقَةُ الْمُعَلَّقَةُ عَلَى الْبِدْعَةِ، وَتَقَعُ الطَّلْقَةُ (الْأُخْرَى فِي ضِدِّ حَالِهَا إذًا) لِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ عَلَى ضِدِّ تِلْكَ الْحَالِ، فَإِنْ كَانَتْ حِينَ الْقَوْلِ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ؛ وَقَعَتْ الثَّانِيَةُ إذَا أَصَابَهَا، أَوْ حَاضَتْ، وَإِنْ كَانَتْ حِينَ الْقَوْلِ حَائِضًا أَوْ فِي طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ طَهُرَتْ الثَّانِيَةُ إذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ وَالْحَيْضَ بَعْدَهُ زَمَانُ بِدْعَةٍ.
(وَ) إنْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ أَنْتِ طَالِقٌ (لِلسُّنَّةِ فَقَطْ) وَهِيَ (فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْ) هَا (فِيهِ يَقَعُ فِي الْحَالِ) لِوَصْفِهِ الطَّلْقَةَ بِصِفَتِهَا؛ فَوَقَعَتْ فِي الْحَالِ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ (فِي حَيْضٍ) طَلُقَتْ (إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ) لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ وَقْتُ السُّنَّةِ فِي حَقِّهَا لَا سُنَّةَ لَهَا قَبْلَهَا (فَلَوْ أَوْلَجَ فِي آخِرِهَا) أَيْ الْحَيْضَةِ (وَاتَّصَلَ بِأَوَّلِ الطُّهْرِ) لَمْ يَقَعْ (أَوْ أَوْلَجَ مَعَ أَوَّلِ الطُّهْرِ؛ لَمْ يَقَعْ) الطَّلَاقُ (فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ أَيْضًا) لَكِنْ مَتَى صَارَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْ فِيهِ، طَلُقَتْ فِي أَوَّلِهِ.
(وَ) إنْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ أَنْتِ طَالِقٌ (لِلْبِدْعَةِ) فَقَطْ وَهِيَ (فِي حَيْضٍ أَوْ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ؛ يَقَعُ) الطَّلَاقُ عَلَيْهِ (فِي الْحَالِ) لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلْقَةَ بِصِفَتِهَا (وَإِنْ) كَانَتْ فِي طُهْرٍ (لَمْ يَطَأْ) هَا (فِيهِ) فَيَقَعُ الطَّلَاقُ (إذَا حَاضَتْ أَوْ وَطِئَهَا) لِوُجُودِ شَرْطِهِ (وَيَنْزِعُ فِي الْحَالِ) بَعْدَ إيلَاجِ الْحَشَفَةِ (إنْ كَانَ) الطَّلَاقُ (ثَلَاثًا) أَوْ كَانَتْ طَلْقَةً مُكَمِّلَةً لَا يَمْلِكُهُ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ، أَوْ كَانَ عَلَى عِوَضٍ لِبَيْنُونَتِهَا عَقِبَ ذَلِكَ (فَإِنْ بَقِيَ) أَيْ: لَمْ يَنْزِعْ فِي الْحَالِ (حُدَّ عَالِمٌ) بِالْحُكْمِ؛ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ (وَعُزِّرَ غَيْرُهُ) وَهُوَ الْجَاهِلُ وَالنَّاسِي وَلَا حَدَّ لِلْعُذْرِ. (وَيَتَّجِهُ:) أَنَّهُ (لَا حَدَّ) عَلَى عَالِمٍ لَمْ يَنْزِعْ فِي الْحَالِ (لِلْخِلَافِ فِي عَدَمِ وُقُوعِهِ) أَيْ: الطَّلَاقِ (ثَلَاثًا دَفْعَةً كَمَا يَأْتِي) مُوَضَّحًا فِي: بَابِ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ بِأَدِلَّتِهِ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ (وَ) إنْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ (أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ) وَلَمْ يَكُنْ طَلَّقَهَا قَبْلُ، فَإِنَّهَا (تَطْلُقُ) الطَّلْقَةَ (الْأُولَى فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ وَ) تَطْلُقُ (الثَّانِيَةَ طَاهِرَةً بَعْدَ رَجْعَةٍ أَوْ عَقْدٍ وَكَذَا) تَطْلُقُ (الثَّالِثَةَ) طَاهِرَةً بَعْدَ رَجْعَةٍ أَوْ عَقْدٍ؛ لِأَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ بِدْعَةٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيح والنَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ (تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ مِنْ السُّنَّةِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ.
(وَ) إنْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ أَنْتِ (طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ نِصْفَيْنِ، أَوْ لَمْ يَقُلْ نِصْفَيْنِ، أَوْ لَمْ يَقُلْ، أَوْ قَالَ: بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ وَقَعَ إذَنْ) أَيْ: عَقِبَ قَوْلَهُ ذَلِكَ (ثِنْتَانِ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَبَعَّضُ، فَيُكَمَّلُ النِّصْفُ، وَفِيمَا إذَا قَالَ: بَعْضُهُنَّ وَبَعْضُهُنَّ الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ سَوَاءً (وَ) تَقَعُ الطَّلْقَةُ (الثَّالِثَةُ فِي ضِدِّهَا لَهَا إذَنْ) أَيْ: الْحَاضِرَةِ؛ لِوُجُودِ شَرْطِهَا (فَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ تَأْخِيرَ ثِنْتَيْنِ قُبِلَ) ذَلِكَ مِنْهُ (حُكْمًا) لِاحْتِمَالِ لَفْظِهِ لَهُ؛ إذْ الْبَعْضُ حَقِيقَةٌ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، (وَلَوْ) كَانَ (قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَتَيْنِ لِلسُّنَّةِ وَوَاحِدَةً لِلْبِدْعَةِ أَوْ عَكَسَ) بِأَنْ قَالَ طَلْقَتَيْنِ لِلْبِدْعَةِ وَوَاحِدَةً لِلسُّنَّةِ (فـَ) يَقَعُ الطَّلَاقُ (عَلَى مَا قَالَ) إذَا وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ.
(وَ) إنْ قَالَ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ قُرْءٍ طَلْقَةً) وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ (لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ، فَتَطْلُقُ فِي كُلِّ حَيْضَةٍ طَلْقَةً) إذْ الْقُرْءُ الْحَيْضُ كَمَا يَأْتِي تَوْضِيحُهُ فِي الْعِدَدِ (لَا) إنْ كَانَتْ (غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَتَبِينُ بِوَاحِدَةٍ) فَلَا يَلْحَقُهَا مَا بَعْدَهَا، لَكِنْ إنْ تَزَوَّجَهَا فَحَاضَتْ؛ وَقَعَ إذَنْ طَلْقَةً ثَانِيَةً، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الثَّالِثَةِ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا حِينَ قَوْلِهِ وَقَعَ بِهَا وَاحِدَةً فِي الْحَالِ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً لَمْ تَطْلُقْ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرْطِ.

.فَصْلٌ: [مَن قال: أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ طَلَاقٍ]:

(وَ) إنْ قَالَ: (أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ طَلَاقٍ أَوْ أَجْمَلَهُ أَوْ أَقْرَبَهُ أَوْ أَعْدَلَهُ) أَوْ أَفْضَلَهُ أَوْ أَتَمَّهُ أَوْ أَسَنَّهُ أَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَةً سُنِّيَّةً أَوْ جَلِيلَةً وَنَحْوَهُ) كَطَلْقَةٍ حَسَنَةٍ أَوْ مَلِيحَةٍ أَوْ جَمِيلَةٍ أَوْ كَامِلَةٍ أَوْ فَضِيلَةٍ، فَهُوَ (كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ) لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ وَقَعَ فِي الْحَالِ، وَإِلَّا وَقَعَ إذَا صَارَتْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحُسْنِ وَالْكَمَالِ وَالْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُطَابِقٌ لِلشَّرْعِ مُوَافِقٌ لِلسُّنَّةِ، وَأَنْتِ طَالِقٌ أَبْشَعَ الطَّلَاقِ (أَوْ أَقْبَحَهُ وَأَسْمَجَهُ أَوْ أَفْحَشَهُ أَوْ أَرْدَأَهُ أَوْ أَنْتَنَهُ وَنَحْوَهُ) كَأَوْحَشَهُ أَوْ أَبْخَسَهُ، كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (لِلْبِدْعَةِ) فَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ أَوْ حَائِضًا؛ وَقَعَ فِي الْحَالِ وَإِلَّا فَإِذَا صَارَتْ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ، لِأَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ فِي الْأَفْعَالِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ، فَمَا حَسَّنَهُ الشَّرْعُ فَهُوَ حَسَنٌ، وَمَا قَبَّحَهُ فَهُوَ قَبِيحٌ، وَقَدْ أَذِنَ الشَّرْعُ فِي الطَّلَاقِ فِي زَمَنٍ فَسُمِّيَ زَمَانَ السُّنَّةِ، وَنَهَى عَنْهُ فِي زَمَنٍ؛ فَسُمِّيَ زَمَانَ الْبِدْعَةِ، وَإِلَّا فَالطَّلَاقُ فِي نَفْسِهِ فِي الزَّمَانَيْنِ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا حَسُنَ أَوْ قَبُحَ بِالْإِضَافَةِ إلَى زَمَانِهِ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ) بِقَوْلِهِ إلَى زَوْجَتِهِ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَقْبَحَهُ وَنَحْوَهُ (أَحْسَنُ أَحْوَالِكِ أَوْ أَقْبَحُهَا أَنْ تَكُونِي مُطَلَّقَةً فَيَقَعُ فِي الْحَالِ) لِأَنَّ هَذَا يُوجَدُ فِي الْحَالِ، وَلِأَنَّهُ يُوجَدُ فِي الْحَالِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ الصِّفَةَ؛ فَيَلْغُو، وَيَقَعُ فِي الْحَالِ (وَلَوْ قَالَ) مَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ (نَوَيْتُ) بِقَوْلِي (أَحْسَنَهُ زَمَنَ بِدْعَةٍ شَبَّهَهُ بِخُلُقِهَا الْحَسَنِ، أَوْ) قَالَ نَوَيْتُ (بـِ) أَنْتِ طَالِقٌ (أَقْبَحَهُ) وَنَحْوَهُ كَأَسْمَجَهُ (زَمَنَ سُنَّةٍ لِقُبْحِ عِشْرَتِهَا أَوْ) قَالَ (عَنْ أَحْسَنِهِ وَنَحْوِهِ أَرَدْتُ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ، أَوْ) قَالَ (عَنْ أَقْبَحِهِ وَنَحْوِهِ أَرَدْتُ طَلَاقَ السُّنَّةِ دُيِّنَ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى (وَقُبِلَ حُكْمًا فِي الْأَغْلَظِ) عَلَيْهِ (فَقَطْ) أَيْ: دُونَ الْأَحَقِّ، فَلَوْ قَالَ نَوَيْتُ بِقَوْلِي: أَحْسَنَ الطَّلَاقِ وَنَحْوَهُ وُقُوعَهُ زَمَنَ الْحَيْضِ، وَلَمْ أُرِدْ الْوَقْتَ، وَكَانَتْ فِي الْحَيْضِ؛ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا فِيهِ تَغْلِيظٌ، وَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ بِقَوْلِي أَقْبَحَ الطَّلَاقِ وُقُوعَهُ فِي طُهْرٍ لَمْ أُصِبْهَا فِيهِ، وَكَانَتْ كَذَلِكَ؛ وَقَعَ فِي الْحَالِ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا فِيهِ تَغْلِيظٌ، فَقُبِلَ، وَإِلَّا تَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. (وَلَوْ) قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ (طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً قَبِيحَةً) تَطْلُقُ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِصِفَتَيْنِ مُتَضَادَّتَيْنِ؛ فَلَغَتَا وَبَقِيَ مُجَرَّدُ الطَّلَاقِ (أَوْ) قَالَ لَهَا أَنْتِ (طَالِقٌ فِي الْحَالِ لِلسُّنَّةِ وَهِيَ حَائِضٌ) أَوْ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ (أَوْ) قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (فِي الْحَالِ لِلْبِدْعَةِ فِي طُهْرٍ وَلَمْ يَطَأْهَا فِيهِ، تَطْلُقُ فِي الْحَالِ) إلْغَاءً لِقَوْلِهِ لِلسُّنَّةِ وَلِلْبِدْعَةِ.
(وَ) إنْ قَالَ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ يَقَعُ عَلَيْكِ لِلسُّنَّةِ وَهِيَ فِي زَمَنِ السُّنَّةِ) أَيْ: فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ (طَلُقَتْ) بِوُجُودِ الصِّفَةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِ السُّنَّةِ (انْحَلَّتْ الصِّفَةُ، وَلَمْ يَقَعْ) الطَّلَاقُ (بِحَالٍ) وَلَوْ صَارَتْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ (وَإِنْ عَكَسَ) بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ يَقَعُ عَلَيْكِ لِلْبِدْعَةِ (وَكَانَتْ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ؛ وَقَعَ) فِي الْحَالِ، (وَإِلَّا) تَكُنْ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ (لَمْ يَقَعْ بِحَالٍ) وَانْحَلَّتْ الصِّفَةُ كَمَا سَبَقَ، وَإِنْ كَانَ الْمَقُولُ لَهَا ذَلِكَ مِمَّنْ لَا سُنَّةَ لِطَلَاقِهَا وَلَا بِدْعَةَ؛ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ.

.(فَرْعٌ): [الْخُلْعُ والطَّلَاقُ زَمَنَ الْبِدْعَةِ]:

(يُبَاحُ خُلْعٌ وَطَلَاقٌ زَمَنَ بِدْعَةٍ بِسُؤَالِ الزَّوْجَةِ) ذَلِكَ عَلَى عِوَضٍ (لَا) بِسُؤَالِ (الْأَجْنَبِيِّ) لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لَحِقَ الْمَرْأَةَ، فَإِذَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا؛ زَالَ الْمَنْعُ؛ وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقَ الْحَرَجِ، فَقَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ طَلَاقُ الْبِدْعَةِ؛ لِأَنَّ الْحَرَجَ الضِّيقُ وَالْإِثْمُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ طَلَاقَ الْإِثْمِ، وَطَلَاقُ الْبِدْعَةِ طَلَاقُ إثْمٍ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقَ الْحَرَجِ وَالسُّنَّةِ، كَانَ كَقَوْلِهِ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ وَالسُّنَّةِ.

.بَابُ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ:

يُعْتَبَرُ لِلطَّلَاقِ اللَّفْظُ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا يَأْتِي، فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالنِّيَّةِ وَحْدَهَا بِأَنْ لَمْ يُقَارِنْهَا لَفْظٌ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ هُوَ الْفِعْلُ الْمُعَبِّرُ عَمَّا فِي النَّفْسِ مِنْ الْإِرَادَةِ وَالْعَزْمِ، وَالْقَطْعُ بِذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مُقَارَنَةِ الْقَوْلِ لِلْإِرَادَةِ؛ فَلَا تَكُونُ الْإِرَادَةُ وَحْدَهَا مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ فِعْلًا؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ». فَلِذَلِكَ لَا تَكُونُ النِّيَّةُ وَحْدَهَا أَثَرًا فِي الْوُقُوعِ. (الصَّرِيحُ) فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ هُوَ (مَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ) أَيْ: بِحَسَبِ الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ مِنْ طَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَظِهَارٍ وَغَيْرِهَا فَلَفْظُ الطَّلَاقِ صَرِيحٌ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ فِي الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ وَإِنْ قَبِلَ التَّأْوِيلَ عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ (وَالْكِنَايَةُ مَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ) أَيْ: وُضِعَ لِمَا يُجَانِسُهُ وَيُشَابِهُهُ (وَيَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الصَّرِيحِ) فَيَتَعَيَّنُ لَهُ بِالْإِرَادَةِ (وَصَرِيحُهُ) أَيْ: الطَّلَاقِ (لَفْظُ طَلَاقٍ) أَيْ: الْمَصْدَرِ؛ فَيَقَعُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ الطَّلَاقُ (وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ) أَيْ: الطَّلَاقِ كَطَالِقٍ وَمُطَلَّقَةٍ وَطَلَّقْتُكِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ عَلَى الْخُصُوصِ، ثَبَتَ لَهُ عُرْفُ الشَّارِعِ وَالِاسْتِعْمَالِ (غَيْرُ أَمْرٍ) كَطَلِّقِي (وَ) غَيْرُ مُضَارِعٍ كَتَطْلُقِينَ (وَ) غَيْرُ (مُطَلِّقَةٍ اسْمِ فَاعِلٍ) أَيْ: بِكَسْرِ اللَّامِ، فَلَفْظُ الْإِطْلَاقِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ نَحْوُ أَطْلَقْتُكِ لَيْسَ بِصَرِيحٍ (فَيَقَعُ) الطَّلَاقُ (مِنْ مُصَرِّحٍ) أَيْ: مِمَّنْ أَتَى بِصَرِيحِهِ غَيْرَ حَاكٍ وَنَحْوِهِ، (وَلَوْ) كَانَ (هَازِلًا أَوْ لَاعِبًا) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مِنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَزْلَ الطَّلَاقِ وَجِدَّهُ سَوَاءٌ، فَيَقَعُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» رَوَاه الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَيَقَعُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِأَنَّهُ لَفْظٌ قُصِدَ التَّلَفُّظُ بِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِمَعْنَاهُ، فَوَقَعَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَلَفْظِ الْبَيْعِ (أَوْ) كَانَ (فَتَحَ تَاءَ أَنْتِ) لِأَنَّهُ وَاجَهَهَا بِالْإِشَارَةِ وَالتَّعْيِينِ، فَسَقَطَ حُكْمُ اللَّفْظِ (أَوْ) كَانَ (لَمْ يَنْوِهِ) أَيْ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ إيجَادَ هَذَا اللَّفْظِ مِنْ الْعَاقِلِ دَلِيلُ إرَادَتِهِ، وَالنِّيَّةُ لَا تُشْتَرَطُ لِلصَّرِيحِ؛ لِعَدَمِ احْتِمَالِ غَيْرِهِ (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (وَهَذِهِ الصِّيَغُ إنْشَاءٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُثْبِتُ الْحُكْمَ وَبِهَا تَمَّ وَ) هِيَ (إخْبَارٌ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي فِي النَّفْسِ) وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ يَطَّرِدُ فِي كُلِّ إنْشَاءٍ وَطَلَبٍ (وَإِنْ أَرَادَ) أَنْ يَقُولَ (ظَاهِرًا وَنَحْوَهُ) كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ طَاحِنًا أَوْ طَاعِنًا أَوْ طَامِعًا (فَسَبَقَ لِسَانُهُ) بِطَالِقٍ، أَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ طَلَبْتُكِ فَسَبَقَ لِسَانُهُ فَقَالَ طَلَّقْتُكِ، دُيِّنَ، وَلَمْ يُقْبَلْ حُكْمًا (أَوْ) قَالَ (طَالِقٌ) وَأَرَادَ (مِنْ وَثَاقٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرهَا مَا يَوْثُقُ بِهِ الشَّيْءُ مِنْ حَبْلٍ وَغَيْرِهِ (أَوْ) قَالَ طَالِقٌ وَأَرَادَ (مِنْ زَوْجٍ كَانَ قَبْلَهُ) أَوْ مِنْ نِكَاحٍ سَبَقَ هَذَا النِّكَاحَ (وَادَّعَى ذَلِكَ) أَيْ أَنَّهُ أَرَادَ مَا ذَكَرَ؛ دُيِّنَ، وَلَمْ يُقْبَلْ حُكْمًا (أَوْ قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ؛ وَقَالَ أَرَدْتُ (إنْ قُمْتُ، فَتَرَكْتُ الشَّرْطَ) وَلَمْ أُرِدْ طَلَاقًا؛ دُيِّنَ، وَلَمْ يُقْبَلْ حُكْمًا (أَوْ قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ (إنْ قُمْتُ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ وَقَعَدْتُ) وَنَحْوَهُ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ وَقَدِمَ الْحَاجُّ (فَتَرَكْتُهُ، وَلَمْ أُرِدْ طَلَاقًا، دُيِّنَ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا؛ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِلَفْظِهِ مَعْنَاهُ (وَلَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ (حُكْمًا) لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ عُرْفًا، فَتَبْعُدُ إرَادَتُهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ زُيُوفًا، أَوْ إلَى شَهْرٍ (فَإِنْ صَرَّحَ فِي لَفْظِهِ بِالْوَثَاقِ فَقَالَ: طَلَّقْتُكِ مِنْ وَثَاقِي؛ لَمْ يَقَعْ) عَلَيْهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ مَا يَتَّصِلُ بِالْكَلَامِ يَصْرِفُهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ. (وَيَتَّجِهُ: كَذَا) الْحُكْمُ فِي قَوْلِهِ (عَلَيَّ الطَّلَاقُ مِنْ ذِرَاعِي وَنَحْوِهِ) كَمِنْ دِمَاغِي أَوْ دِينِي كَمَا تَسْتَعْمِلُهُ الْأَوْبَاشُ (إنْ قَصَدَهُ) أَيْ الْمَحْلُوفَ مِنْهُ (ابْتِدَاءً) لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ حَلِيلَتَهُ بِذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ قِيلَ لَهُ: أَطَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ أَنْتِ فَقَالَ نَعَمْ، أَوْ قِيلَ لَهُ امْرَأَتَكَ طَالِقٌ فَقَالَ نَعَمْ، وَأَرَادَ الْكَذِبَ، طَلُقَتْ) وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ نَعَمْ صَرِيحٌ فِي الْجَوَابِ، وَالْجَوَابُ الصَّرِيحُ بِلَفْظِ الصَّرِيحِ صَرِيحٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ أَلِفُلَانٍ عَلَيْكِ كَذَا؟ فَقَالَ نَعَمْ؛ كَانَ إقْرَارًا (وَإِنْ قِيلَ لَهُ أَطَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ فَقَالَ قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ، وَأَرَادَ) بِذَلِكَ (الْإِيقَاعَ؛ وَقَعَ) كَالْكِنَايَةِ (أَوْ) قَالَ: أَرَدْتُ (التَّعْلِيقَ) أَيْ: تَعْلِيقَ طَلَاقِهَا بِشَرْطٍ، وَلَمْ يُوجَدْ (قُبِلَ) مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يُحْتَمَلُ (وَ) لَوْ قِيلَ لِلزَّوْجِ (أَخْلَيْتهَا) أَيْ: أَخْلَيْت زَوْجَتَك (وَنَحْوَ ذَلِكَ، قَالَ نَعَمْ فَكِنَايَةٌ) لَا تَطْلُقُ بِذَلِكَ حَتَّى يَنْوِيَ بِهِ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ مُنْطَوٍ فِي الْجَوَابِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ. (وَكَذَا) قَوْلُهُ (لَيْسَ لِي امْرَأَةٌ) أَوْ لَيْسَتْ لِي بِامْرَأَةٍ (أَوْ لَا امْرَأَةَ لِي أَبَدًا) فَهُوَ كِنَايَةٌ لَا يَقَعُ إلَّا بِنِيَّةٍ، وَلَوْ نَوَى أَنَّهُ لَيْسَ لِي امْرَأَةٌ تَخْدُمُنِي، أَوْ لَيْسَ لِي امْرَأَةٌ تُرْضِينِي أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا؛ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ (أَوْ قِيلَ لَهُ أَلَكَ امْرَأَةٌ؟ قَالَ لَا) وَأَرَادَ الْكَذِبَ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَمَنْ أَرَادَ الْكَذِبَ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ، وَلَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْكَذِبَ بَلْ نَوَى الطَّلَاقَ، طَلُقَتْ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ أَلَكَ امْرَأَةٌ؟ فَقَالَ قَدْ طَلَّقْتهَا؛ وَأَرَادَ الْكَذِبَ، طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ (وَإِنْ قِيلَ لِعَالِمٍ بِالنَّحْوِ أَلَمْ تُطَلِّقْ امْرَأَتَكَ؟ قَالَ نَعَمْ لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّهُ إثْبَاتٌ لِنَفْيِ الطَّلَاقِ، وَتَطْلُقُ امْرَأَةُ غَيْرِ النَّحْوِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْجَوَابِ (وَإِنْ قَالَ) الْعَالِمُ بِالنَّحْوِ أَوْ غَيْرُهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْإِقْنَاعِ جَوَابًا لِمَنْ قَالَ: أَلَمْ تُطَلِّقْ امْرَأَتَكَ (بَلَى طَلُقَتْ) لِأَنَّهُ نَفْيٌ، وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، فَكَأَنَّهُ قَالَ طَلَّقْتُهَا. (وَمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ) اثْنَانِ (بِإِقْرَارِهِ) وُقُوعَ (طَلَاقٍ ثَلَاثٍ) لِتَقَدُّمِ يَمِينٍ مِنْهُ تُوهِمُ وُقُوعَ طَلَاقٍ عَلَيْهِ فِيهَا وَنَحْوَهُ (ثُمَّ) اسْتَغْنَى عَنْ يَمِينِهِ فَ (أَفْتَى) أَيْ: أَفْتَاهُ عَالِمٌ (بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ. أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ (يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ) بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهِ (لِمَعْرِفَتِهِ مُسْتَنَدَهُ فِيهِ) فِي إقْرَارِهِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ أَنَّ مُسْتَنَدَهُ فِي إقْرَارِهِ ذَلِكَ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَجْهَلُهُ مِثْلُهُ) ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى حَتَّى لَوْ حَكَمَ عَلَيْهِ حَاكِمٌ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِمُقْتَضَى مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ إقْرَارِهِ؛ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؛ إذْ حُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُخْرِجُ الشَّيْءَ عَنْ مَوْضُوعِهِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ. (وَإِنْ أَخْرَجَ) زَوْجٌ (زَوْجَتَهُ مِنْ دَارِهَا أَوْ لَطَمَهَا أَوْ أَطْعَمَهَا أَوْ سَقَاهَا أَوْ أَلْبَسهَا أَوْ قَبَّلَهَا وَنَحْوَهُ) بِأَنْ دَفَعَ إلَيْهَا شَيْئًا (وَقَالَ هَذَا طَلَاقُكِ طَلُقَتْ وَكَانَ صَرِيحًا نَصًّا، لِأَنَّ ظَاهِرَ هَذَا اللَّفْظِ جَعْلُ هَذَا الْفِعْلِ طَلَاقًا مِنْهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَوْقَعْتُ عَلَيْكِ طَلَاقًا هَذَا الْفِعْلُ مِنْ أَجَلِهِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ بِنَفْسِهِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهِ فِيهِ لِيَصِحَّ لَفْظُهُ بِهِ فَيَكُونُ صَرِيحًا فِيهِ يَقَعُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ فَلَوْ فَسَّرَهُ بِمُحْتَمَلِ) عَدَمِ الْوُقُوعِ (كَأَنْ نَوَى أَنَّ هَذَا سَبَبُ طَلَاقِكِ) فِي زَمَانٍ بَعْدَ هَذَا الزَّمَانِ (قُبِلَ حُكْمًا) لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ، وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُهُ. (وَإِنْ قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (كُلَّمَا قُلْت لِي شَيْئًا) مِنْ كَلَامٍ (وَلَمْ أَقُلْ لَكِ مِثْلَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً أَوْ) طَالِقٌ بِفَتْحِ التَّاءِ (أَوْ قَالَتْ لَهُ أَنْتِ طَالِقٌ) بِكَسْرِ التَّاءِ (فَقَالَ) لَهَا (مِثْلَهُ) أَيْ: مِثْلَ مَا قَالَتْ لَهُ (طَلُقَتْ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ شَافَهَهَا بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ. (وَلَوْ عَلَّقَهُ) أَيْ: الطَّلَاقَ بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ ذَهَبْت الْهِنْدَ وَنَحْوَهُ؛ فَتَطْلُقُ لِوُجُودِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ لَهَا غَيْرُ الَّذِي قَالَتْهُ لَهُ أَيْ: الْمُنَجَّزِ الْمُعَلَّقِ قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيّ. وَلَهُ التَّمَادِي إلَى قُبَيْلِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَمِينِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِيَّةِ (وَلَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ السَّابِقِ) أَنْتِ طَالِقٌ (فِي وَقْتِ كَذَا أَوْ) نَوَى إنْ ذَهَبْتُ إلَى (مَكَانِ كَذَا) أَوْ إنْ كُنْتُ عَلَى صِفَةِ كَذَا (تَخَصَّصَ) بِهِ؛ فَلَا يَقَعُ الْمُعَلَّقُ أَوَّلًا؛ لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ، وَلَا الثَّانِي حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُهُ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَ اللَّفْظِ الْعَامِّ بِالنِّيَّةِ سَائِغٌ. (وَيَتَّجِهُ:) أَنَّهُ (لَوْ لَمْ يَقْصِدْ) الزَّوْجُ لِقَوْلِهِ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ جَوَابًا لِقَوْلِهَا لَهُ أَنْتَ طَالِقٌ (لَفْظَ) ذَلِكَ (لِمَعْنَاهُ) وَهُوَ إيقَاعُ الطَّلَاقِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ، (بَلْ) قَصَدَ بِإِجَابَتِهِ لَهَا بِذَلِكَ (مُجَرَّدَ الْمُحَاكَاةِ) لَهَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الطَّلَاقِ (دُيِّنَ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى (وَاحْتُمِلَ) احْتِمَالٌ فِيهِ لِينٌ (وَقُبِلَ) مِنْهُ ذَلِكَ حُكْمًا، وَالِاتِّجَاهُ مُتَّجِهٌ (وَ) مِمَّا يُؤَيِّدُهُ مَا (أَفْتَى بِهِ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ) حِينَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَحَبَّهَا حُبًّا شَدِيدًا وَأَبْغَضَتْهُ بُغْضًا شَدِيدًا، فَكَانَتْ تُوَاجِهُهُ بِالشَّتْمِ وَالدُّعَاءِ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا يَوْمًا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا تُخَاطِبِينِي بِشَيْءٍ إلَّا خَاطَبْتُكِ بِمِثْلِهِ، فَقَالَتْ فِي الْحَالِ بَتَاتًا، فَانْكَسَرَ الرَّجُلُ، وَلَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَعُ، فَاسْتَفْتَى جَمَاعَةً مِنْ الْفُقَهَاءِ، فَكُلُّهُمْ قَالُوا لَهُ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَجَابَهَا بِمِثْلِ كَلَامِهَا طَلُقَتْ، وَإِنْ لَمْ يُجِبْهَا حَنِثَ وَطَلُقَتْ، فَإِنْ بَرَّ طَلُقَتْ، وَإِنْ حَنِثَ طَلُقَتْ، فَأُرْشِدَ إلَى ابْنِ جَرِيرٍ، فَسَأَلَهُ، فَأَجَابَ (لَا يَقَعُ) الطَّلَاقُ (إذَا عَلَّقَ) الزَّوْجُ (كَأَنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ أَنَا طَلَّقْتُكِ) وَقَالَ لِلزَّوْجِ امْضِ وَلَا تُعَاوِدْ الْأَيْمَانَ بَعْدَ أَنْ تَقُولَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ أَنَا طَلَّقْتُكِ، فَتَكُونَ قَدْ خَاطَبْتُهَا بِمِثْلِ خِطَابِهَا لَكِ، فَوَفَّيْت يَمِينَكَ، وَلَمْ تَطْلُقْ مِنْكَ؛ لِمَا وَصَلْتَ بِهِ الطَّلَاقَ مِنْ الشَّرْطِ (وَاسْتَحْسَنَهُ) أَيْ: اسْتَحْسَنَ (ابْنُ عَقِيلٍ) مَا أَجَابَ ابْنُ جَرِيرٍ (وَقَالَ) ابْنُ عَقِيلٍ (لَوْ فَتَحَ) الزَّوْجُ (التَّاءَ تَخَلَّصَ) لِأَنَّهَا قَالَتْ لَهُ: أَنْتَ طَالِقٌ بِفَتْحِ التَّاءِ وَهُوَ خِطَابُ تَذْكِيرٍ، فَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتَ بِفَتْحِ التَّاءِ لَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ، أَفَادَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ وَتَقَدَّمَ لَكَ أَنَّهُ يَقَعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ: قُلْتُ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَحْسَنُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَهُوَ جَارٍ عَلَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ الْعَامِ بِالنِّيَّةِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى وَنِيَّتُهُ غَدَاءَ يَوْمِهِ قُصِرَ عَلَيْهِ وَإِذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ وَنِيَّتُهُ تَخْصِيصُ الْكَلَامِ بِمَا يَكْرَهُهُ؛ لَمْ يَحْنَثْ إذَا كَلَّمَهُ بِمَا يُحِبُّهُ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ، وَعَلَى هَذَا فَبِسَاطٌ صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَنَّهَا لَا تُكَلِّمَهُ بِشَتْمٍ أَوْ سَبٍّ أَوْ دُعَاءٍ أَوْ مَا كَانَ إلَّا مِنْ هَذَا الْبَابِ إلَّا كَلَّمَهَا بِمِثْلِهِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهَا إذَا قَالَتْ لَهُ: اشْتَرِ لِي مُقَنَّعَةً أَوْ ثَوْبًا أَنْ يَقُولَ لَهَا: اشْتَرِ لِي مُقَنَّعَةً أَوْ ثَوْبًا، وَإِذَا قَالَتْ لَهُ: لَا تَشْتَرِ لِي كَذَا فَإِنِّي لَا أُحِبُّهُ أَنْ يَقُولَ مِثْلَهُ، هَذَا مِمَّا يَقْطَعُ أَنَّ الْحَالِفَ لَمْ يُرِدْهُ، فَإِذَا لَمْ يُخَاطِبْهَا بِمِثْلِهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَهَكَذَا يُقْطَعُ بِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ الْمَسْئُولَ عَنْهَا لَمْ يُرِدْهَا، وَلَا كَانَ بِسَاطٌ مُقْتَضِيهَا، وَلَا خَطَرَتْ بِبَالِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي يَصِحُّ يَمِينُهُ، وَبَعَثَهُ عَلَى الْحَلِفِ، وَمِثْلُ هَذَا يُعْتَبَرُ فِي الْأَيْمَانِ انْتَهَى.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ. (وَمَنْ طَلَّقَ) زَوْجَةً لَهُ (أَوْ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَةٍ لَهُ ثُمَّ قَالَ عَقِبَهُ لِضَرَّتِهَا شَرِكْتُكِ) أَوْ أَشْرَكْتُكِ مَعَهَا (أَوْ أَنْتِ شَرِيكَتُهَا) أَيْ: فِيمَا أَوْقَعْتُ عَلَيْهَا مِنْ طَلَاقٍ أَوْ ظِهَارٍ (أَوْ) قَالَ لِضَرَّتِهَا: أَنْتِ (مِثْلُهَا، أَوْ أَنْتِ كَهِيَ، فَهُوَ صَرِيحٌ فِيهِمَا) أَيْ: الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ نَصًّا، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ؛ لِجَعْلِهِ الْحُكْمَ فِيهِمَا وَاحِدًا، إمَّا بِالشَّرِكَةِ فِي اللَّفْظِ، أَوْ بِالْمُمَاثَلَةِ، وَهَذَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ مَا فُهِمَ مِنْهُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَعَادَهُ بِلَفْظِهِ عَلَى الثَّانِيَةِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ وَكَذَا) فَلَوْ قَالَ لِقِنِّهِ أَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ قَالَ لِقِنِّهِ الْآخَرِ شَرَكْتُكَ أَوْ أَشْرَكْتُكَ مَعَهُ أَوْ أَنْتَ شَرِيكُهُ فِي ذَلِكَ وَنَحْوَهُ؛ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْعِتْقِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ (بـِ) قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ لَا شَيْءَ أَوْ) قَالَتْ لَهُ أَنْتِ طَالِقٌ (لَيْسَ شَيْءٌ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ) طَلَاقًا لَا يَلْزَمُك، (أَوْ أَنْتِ طَالِقَةٌ) طَلْقَةً لَا تَقَعُ عَلَيْكِ أَوْ طَلْقَةً (لَا يَنْقُصُ بِهَا عَدَدُ الطَّلَاقِ) لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِجَمِيعِ مَا أَوْقَعَهُ أَشْبَهَ اسْتِثْنَاءَ الْجَمِيعِ، وَإِنَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ طَلْقَةً، وَ(لَا) يَقَعُ شَيْءٌ (بِأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا)؛ لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ فَلَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ، (أَوْ) أَنْتِ (طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا وَهُوَ الْعَطْفُ الْمُغَيِّرُ) فَإِذَا اتَّصَلَ الْعَطْفُ بِالِاسْتِفْهَامِ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَفْظًا لِلْإِيقَاعِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إيقَاعٌ لَمْ يُعَارِضْهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الصُّورَتَيْنِ اسْتِفْهَامٌ (وَإِنْ كَتَبَ صَرِيحَ طَلَاقِهَا) أَيْ امْرَأَتِهِ (بِمَا يَبِينُ) أَيْ: يَظْهَرُ (بِخِلَافِهِ) أَيْ: بِخِلَافِ مَا لَوْ كَتَبَ صَرِيحَ طَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِمَا لَا يَبِينُ كَأَنْ كَتَبَهُ (بِأُصْبُعِهِ عَلَى نَحْوِ وِسَادَةٍ) كَعَلَى بِسَاطٍ أَوْ حَصِيرٍ أَوْ عَلَى شَيْءٍ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ الْخَطُّ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْمَاءِ أَوْ فِي الْهَوَاءِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكِتَابَةَ بِمَنْزِلَةِ الْهَمْسِ بِلِسَانِهِ بِمَا لَا يُسْمَعُ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ (لِأَنَّهَا) أَيْ الْكِتَابَةَ بِمَا يَبِينُ (صَرِيحَةٌ فِيهِ) أَيْ: الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ حُرُوفٌ يُفْهَمُ مِنْهَا مَعْنَى الطَّلَاقِ، فَإِذَا أَتَى فِيهَا بِالطَّلَاقِ، وَفُهِمَ مِنْهَا، وَقَعَ كَاللَّفْظِ، وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَقُومُ مَقَامَ قَوْلِ الْكَاتِبِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ مَأْمُورًا بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، فَبَلَّغَ بِالْقَوْلِ مَرَّةً، وَبِالْكِتَابَةِ مَرَّةً أُخْرَى، وَلِأَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي يَقُومُ مَقَامَ لَفْظِهِ فِي إثْبَاتِ الدُّيُونِ وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْوِلَايَةِ بِالْخَطِّ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَإِنْ كَتَبَ كِنَايَةَ طَلَاقِهَا بِمَا يَبِينُ فَهُوَ قِيَاسٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) حُكْمُ (نَحْوِ عِتْقٍ) كَظِهَارٍ إذَا كَتَبَ صَرِيحَهُ بِمَا يَبِينُ، فَإِنَّهُ يَقَعُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ لَوْ نَسَخَ كِتَابًا فِيهِ لَفْظُ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ؛ لَمْ يَقَعْ إلَّا إنْ نَوَاهُ) وَهَذَا الِاتِّجَاهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ. (فَلَوْ قَالَ) كَاتِبُ الطَّلَاقِ (لَمْ أُرِدْ إلَّا تَجْوِيدَ خَطِّي، أَوْ لَمْ أُرِدْ إلَّا غَمَّ أَهْلِي) قُبِلَ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ، وَقَدْ نَوَى مُحْتَمَلًا غَيْرَ الطَّلَاقِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَى بِاللَّفْظِ غَيْرَ الْإِيقَاعِ وَإِذَا أَرَادَ غَمَّ أَهْلِهِ بِتَوَهُّمِ الطَّلَاقِ دُونَ حَقِيقَتِهِ؛ لَا يَكُونُ نَاوِيًا لِلطَّلَاقِ، وَمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ» إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مُؤَاخَذَتِهِمْ بِمَا نَوَوْهُ عِنْدَ الْعَمَلِ بِهِ، وَهَذَا لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا يُؤَاخَذُ بِهِ (أَوْ قَرَأَ مَا كَتَبَهُ، وَقَالَ: لَا أَقْصِدُ إلَّا الْقِرَاءَةَ قُبِلَ) مِنْهُ ذَلِكَ (حُكْمًا) كَلَفْظِ الطَّلَاقِ إذَا قَصَدَ بِهِ الْحِكَايَةَ. (وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ (بِإِشَارَةٍ) مَفْهُومَةٍ (مِنْ أَخْرَسَ فَقَطْ) لِقِيَامِهَا مَقَامَ نُطْقِهِ (فَلَوْ لَمْ يَفْهَمْهَا) أَيْ: إشَارَةَ الْأَخْرَسِ (إلَّا بَعْضُ) النَّاسِ، (فـَ) هِيَ (كِنَايَةٌ) بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ (وَتَأْوِيلُهُ) أَيْ: الْأَخْرَسِ (مَعَ صَرِيحٍ) أَيْ إشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ (كَتَأْوِيلِ غَيْرِ أَخْرَسَ) كَمَعَ (نُطْقٍ بِصَرِيحِ طَلَاقٍ) وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إلَّا بِلَفْظٍ أَوْ كِنَايَةٍ أَوْ إشَارَةِ أَخْرَسَ وَأَمَّا الْقَادِرُ عَلَى الْكَلَامِ؛ فَلَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ بِإِشَارَةٍ، وَلَوْ كَانَتْ مَفْهُومَةً؛ لِقُدْرَتِهِ عَلَى النُّطْقِ. (وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ (مِمَّنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ) إلَى الْإِسْلَامِ؛ لِعَدَمِ الْمَانِعِ. (وَصَرِيحُهُ) أَيْ: الطَّلَاقِ (بِلِسَانِ الْعَجَمِ بِهِشْتَمْ بِهِ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْهَاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ؛ لِأَنَّهَا فِي لِسَانِهِمْ مَوْضُوعَةٌ لِلطَّلَاقِ، يَسْتَعْمِلُونَهَا فِيهِ، فَأَشْبَهَتْ لَفْظَ الطَّلَاقِ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ صَرِيحَةً فِي لِسَانِهِمْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُعْجَمَةِ صَرِيحٌ لِلطَّلَاقِ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهَا بِمَعْنَى خَلَّيْتُكِ؛ فَإِنَّ مَعْنَى طَلَّقْتُكِ خَلَّيْتُكِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَوْضُوعًا لَهُ وَمُسْتَعْمَلًا فِيهِ كَانَ صَرِيحًا. (فَمَنْ قَالَهُ) أَيْ: بَهَشْتُمْ (عَارِفًا مَعْنَاهُ) مِنْ عَرَبِيٍّ أَوْ أَعْجَمِيٍّ (وَقَعَ مَا نَوَاهُ) مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَوَاحِدَةٌ كَصَرِيحِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ (فَإِنْ زَادَ) عَلَى بِهِشْتَمْ (بِسَيَّارِ فَثَلَاثٌ) تَقَعُ؛ لِأَنَّ مُؤَادَهُ ذَلِكَ فِي لُغَتِهِمْ (وَإِنْ أَتَى بِهِ) أَيْ: لَفْظِ بِهِشْتَمْ مَنْ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ كَالْعَرَبِيِّ لَا يَقَعُ، (أَوْ) أَتَى (بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ) الْعَرَبِيِّ (أَوْ) أَتَى بِلَفْظِ (الْعِتْقِ) الْعَرَبِيِّ (مَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ) كَالْأَعْجَمِيِّ (لَمْ يَقَعْ) عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِلَفْظِهِ مَعْنَاهُ؛ لِعَدَمِ عِلْمِهِ (وَلَوْ نَوَى فِيهِ مُوجَبَهُ) أَيْ: الْقَوْلِ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ اخْتِيَارُهُ لِمَا لَا يَعْلَمُهُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ نَطَقَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مَنْ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهَا.